كل من قرأ ما كتبه الصحفي المصري هاني رسلان متناولاً موقفي من سد النهضة الإثيوبي لن يكون فى حاجة لإنتظار تعقيبي عليه ليفهم منطلقاته أو العقلية التي يكتب بها خلاصة ما كتبه الخبير المزعوم عن موقفي بعد أن سكب مداداً كثيفاً أنني كنت مؤيداً لإثيوبيا في البداية ثم إنقلبت إلى تأييد مصر فماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن رسلان وحفنة من مشايعيه من نخبة مصر لا يرون أن هذا السودان يستحق أن يكون له موقفاً مستقلاً بل يرون فيه متغيراً تابعاً أو بالأحرى مجرد حديقة خلفية لمصر إنها ذات العقلية التى كتبت قبل عامين محتفية بالسيول والفيضانات التى دمرت الحرث والنسل في السودان فقد قال قائلهم يومها لا فض فوه إن الدمار الذى يحدث في السودان هو خير لمصر ويعني طبعاً أن الفيضان الذى يدمر السودان إنما يعني مزيداً من المياه لمصر ..!
إنها يا سادة ذات العقلية الخديوية التي تأبى إلا أن ترى السودان تابعاً. يدور في فلك مصر أينما دار وهي ذات العقلية التي يؤسس عليها رسلان مواقفه حين يكتب عن السودان والسودانيين فأنت سوداني؟ إذن فأنت أمام خيارين لا ثالث لهما إما أنك مع مصر أو أنك ضد مصر أما أن يكون هناك موقف مستقل ينطلق من مصالح السودان والسودان فقط لا غيره فهذا ما فشلت في إستيعابه الخديوية الجديدة حتى الآن وهي ذات العقلية المريضة التى تسمم علاقات البلدين كل يوم ..!
أدهشني أن يتحدث رسلان عن هجوم منظم لي على مصر وهو مالم يحدث بل وسبق أن أعاب علي البعض أنني لم أفعل أتدرون متى ولماذا؟ قبل أربع سنوات هبطت مصر في شأن إجتماعي بحت ذهبت رفقة زملاء مؤازرين لصديق كان بصدد إجراء جراحة معقدة أي رحلة لا صلة لها بالإعلام ولا بالسياسة ورغم ذلك فوجئت بإحتجازى فى مطار القاهرة لوحدى عدة ساعات سمحوا لي بعدها بالدخول علمت لاحقاً أنه سماح مشروط إذ إتصل بي من يخطرني أن علي أن لا أطيل البقاء و أن من الأفضل ألا أعود حتى إشعار آخر ..! ولم يصلني الإشعار بعد وأعرف ويعرف القراء كثيرين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لتعرضهم لذات الإجراء ولكنى لم أفعل لا لأن إيقافي كان بسبب مخالفة للقوانين المصرية فلم تكن بحوزتي مخدرات ولا كنت متهماً بتهريب عملة ولا حتى بتزويرها أو تنزيلها بل لسببين :
السبب الأول: أننى لم جد تفسيراً لذلك الإجراء حتى يوم الناس هذا إلا أن تكون وشاية من الخديويين الجدد سيما وأن خلافاً كان قد نشب يومها بين الأجهزة حول ذلك الإجراء.
السبب الثاني: و الأهم فهو أنني وببساطة كنت ولا زلت أعتقد أن العلاقة بين البلدين أكبر من الأفراد وأكبر من تقديرات آنية يمكن أن تتخذها الأجهزة ولكن البقر لا يفهم وأحيانا لا يعلم ..!
ولكن وبتجاوز كل ذلك سأحدثكم عن السبب الحقيقي وراء موقف الخديويين الجدد لا مني أنا بل من السودان ومن كل سوداني يؤمن بأن ثمة مسافة بين مصر والسودان في الموقف من سد النهضة.
هناك إفتراض سائد وهو إننا إما أن نكون مع مصر أو ضدها وبهذا المفهوم الساذج المحدود كتب أرسلان أنني فى البداية إندفعت داعما للسد مؤيدا لإثيوبيا ثم إنقلبت مؤيدا لمصر دون أن أعتذر للقراء كما قال وقلت إن الخديوية الجديدة في مصر ومنهم هذا الرسلان شفاه الله لا ترى للسودان موقفاً مستقلاً فهو إما مع مصر يرعى مصالحها أو ضد مصر يهدد مصالحها أما أن تكون للسودان رؤيته الخاصة وقراءته الخاصة ومصالحه الخاصة كدولة ذات سيادة وذات إرادة مستقلة فالخديويون الجدد ومنهم هذا الخبير المزعوم يعتقدون جازمين أنه لا ينبغي ذلك للسودان وأن السودان إنما وجد فقط ليرعى ويخدم المصالح الخديوية عفواً المصرية فرغم حالة الإنكار التى درج على التمترس خلفها هؤلاء الخديويون إلا أنها كثيراً ما تقفز رغم أنف واحدهم شاخصة فاضحة لهذا العجز الفكري المقيت تماماً كما حدث مع رسلان حين لخص موقفي من سد النهضة مع إثيوبيا ثم مع مصر ولم يسعفه عقله المحدود ليتذكر فقط أن ثمة طرف ثالث إسمه السودان وأن من حقي أن أكون معه.
منذ أن بدأت تناول سد النهضة كمشروع إستراتيجي قبل أن يكون قضية خلافية أو محل نزاع قبل ما يقارب العشر سنوات ظل موقفي ثابتاً ومرتكزاً على محورين أساسيين:
الأول ، أن سد النهضة أو سد القرن كما سمي في بدايته يحقق فوائد عظيمة للسودان قد تتجاوز الفوائد الإثيوبية نفسها، أما المحور الثاني: فهو أن مواقف مصر والسودان غير متطابقة تجاه سد النهضة ببساطة لأن مصالحهما غير متطابقة أيضاً وهذه مسألة لن تتناطح فيها عنزان ولأن قناعتي التى لم تتزعزع يوماً أن علاقات الدول ومواقفها في المجتمع الإقليمي والدولي ينبغي أن تبنى على المصالح والمصالح فقط لا الشعارات الجوفاء فإن قناعتي أيضاً أن تعارض المصالح يعني تلقائياً تباين المواقف ولكن البعض يحاول لي عنق الحقائق فيتحدث عن ضرورة توحيد الموقف المصري السوداني وأن البلدين تتطابق مصالحهما كدولتي مصب… الخ هذه الحدوتة المصرية.
إذن حين أعلنت تأييدي للسد كمشروع لا لإثيوبيا كدولة إنما لرؤيتي الشاملة للمصالح التى يحققها للسودان شريطة أن تلتزم الدول الثلاثة فى مفاوضاتها بإعلان المباديء الذى نص بوضوح على الإلتزام الإثيوبي بالتوافق مع السودان ومصر فى كل المراحل وحين أخلت اثيوبيا بإعلان المباديء نفسه كان طبيعياً أن أنتقد ذلك بل وبشدة ولم يكن يعنيني كثيراً ما إذا كان موقفي ذاك يدعم مصر أم لا فالمهم عندى أنه يخدم ويدعم مصالح السودان العليا.
أما فى المحور الثاني والمتعلق بتباين المواقف بين مصر والسودان فقد ظللت أشير لذلك كثيراً وهذا عين ما يغضب الخديويين الجدد، فحدثني عن هذا التطابق بعد أن تقرأ الفقرة التالية يا هداك الله سبق أن قلت وقالت الدراسات وقال كثيرون أن أهم مزايا سد النهضة بالنسبة للسودان هو إعادة تنظيم جريان النهر وضبط تدفقات مياهه هل تعلم عزيزي القاريء ماذا يعني هذا؟ يعني أن السودان سيستفيد لأول مرة من حصته الكاملة وفقا لإتفاقية 1959 فما يقارب نصف تلك الحصة كان يذهب سنوياً لمصر بدعوى أنها سلفة مستردة لا يدري أحد متى تسترد وهنا مربط الفرس ومصدر القلق ومبعث الحسد !! وسنعود بالتفاصيل إن دعى الحال ..
لا يوجد تعليقات