د. حسان سيسي يكتب: سقوط القيادات السياسية والأمنية العسكرية صرعى في كوت ديفوار , قراءة في الأبعاد والتداعيات

Scroll Down — Scroll Created with Sketch.

منذ ٢٠١٨ أخذت القيادات السياسية في حزب (فابي ) تتساقط صرعى وعلى رأسهم عبد الرحمن سانغاري، وفي ٢٠٢٠م سقط العقيد إسحاق وترا الشهير ب”واتاو  في صراع مع المرض، وهو قائد بارز في المؤسسة الأمنية العسكرية، وبعد ذلك بشهور سقطت القيادات السياسية في حزب (رادهب)  تترى،  بدأ برئيس الوزراء الأسبق أمادو(أحمد) غون كوليبالي، ومرورا بالموت المفاجئ للحاج سريكي (صديق) جاكتي وزير الداخلية في ظروف الانتخابات الرئاسية أكتوبر ٢٠٢٠م، ووصولا بموت رئيس الوزراء أحمد باغايوغو يوم الأربعاء ١٠ مارس ٢٠٢١م، وهذا يعني أن كوت ديفوار في غضون أقل من سنتين فقدت ثلاثة وزراء سياديين، من هنا يأتي السؤال: موت قيادات الصف الأول لدى الأحزاب والتجمعات السياسية في كوت ديفوار أهي حالة أم ظاهرة أم أنها أضحت أزمة يجب الوقوف عندها مليا لمعرفة الأبعاد والتداعيات، تصحيحا لمسار الديموقراطية ، وحفاظا على مكتسبات التعايش السلمي والإنجازات الاقتصادية؟

في هذه المقالة نحاول تناول هذه الأبعاد والتداعيات بقدر من الإيجاز نظرا لطبيعة الموقف

الأبعاد

أولا: أن وفاة هذه القيادات الايفواريية، وقد قدم كل واحد منهم خدمات قلت أو كثرت للشعب الايفواري، وعملوا تحت الراية ولاء للوطن، والتزاما بقوانين محل خدمته  فهي خسارة للدولة الإيفوارية  والشعب الايفواري هو الخاسر قبل عشيرته العرقية وأسرته السياسية.

ثانيا: أن الذين توفوا كان بإمكان كل واحد منهم أن يكون رئيساً للدولة ، ذلك لصفات كانوا يتمتعون بها (الجدية، الوفاء، الكرم…) شهد بذلك حتى الخصوم السياسيون

ثالثا: أن هذه الوفيات وظروفها غير سابقة في التاريخ السياسي الإيفواري، وبالتالي يجب التعاطي مع المعلومات بقدر من الدقة والتبين والتجمل بالصبر

التداعيات

أولا: إحجام الشباب عن خوض معترك العمل السياسي

العمل السياسي (قضاء حوائج المواطنين) من أشرف الأعمال، والأسرع تغلغلا في المجتمع ، ومن ثم كسب تأييده وولائه، فالديمقراطية الإيفوارية أعطت فرصة لظهور قيادات جديدة شابة في معظمها، يهتمون بهموم المجتمع ويحملون رؤى و أفكارا إصلاحية سياسية، لكن تثخين الموت في القيادات بهذا الشكل سواء أكانوا سياسيين أو عسكريين يمثل ناقوس حذر وإنذار للشباب بأن الدخول في السياسة يعني الاقتراب من الموت المفاجئ، والثقافة الإيفوارية تعلم أن الأسر والأباء يتمنون أعمارا طويلة لأولادهم، وبالتالي فلن تسمح أسرة أن يساق ولدها  إلى الموت وهم ينظرون

ثانيا: مدخل لتراجع الديموقراطية الإيفوارية

الديموقراطية الإيفوارية المعاصرة حرصت على اختيار آلياتها بشكل أصبغت عليها قدرا من الجاذبية والتطوير بمعنى أن هناك انتخابات الرئاسة الجمهورية، وانتخابات التشريعية ، وانتخابات مجلس الشيوخ، وانتخابات البلدية… وترتيبات دستورية أخرى أتت بمناصب جديدة مثل: نائب رئيس الجمهورية

فموت القيادات السياسية والأمنية العسكرية بهذا الشكل قد يشكل مدخلا للريبة والتردد في : ما مدى صلاحية هذه المناصب في الدولة على الأقل في هذه الفترة؟ ومن ثم إثارة الرغبة والحاجة إلى عهد ما قبل تلك المناصب ، ولعل في ثنايا الحوار والمقترحات قد ترد: ما جدوى رئاسة الوزراء إذا كان منصبا يحيطه  قدر من الأسرار والحذر؟هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الموت المفاجئ لقيادات مؤهلة  لقيادة الدولة لعل قد يتخذ ذريعة لتشبث الرئيس بالسلطة، أو بعدم التداول السلمي للسلطة داخل حزبه، أو الخطأ في اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب،  أو عدم التنازل طوعا كما فعل من قبل رغم كبر سنه،  تحت ذريعة غياب قيادات، أو عدم وجود شخصيات توافقية… والجميع يعرف أن ترشح الرئيس وترا في انتخابات الرئاسة الجمهورية أكتوبر ٢٠٢٠م برر بمثل هذه المبررات، وقد يكون ذلك من إيماءات وإيحاءات أفراد  من الحواريين داخل الحزب، ولا جرم أن هذه المبررات وغيرها على علم بدستورية بعضها غير أن هناك  ما هو أفضل تأليفا للقلوب، كما أن المساس بهذه المناصب من هذه المنطلقات وبطريقة غير دستورية مخالفة، ومن مؤشرات تراجع الديموقراطية، لا يجب الاقتراب منه.

ثالثا: تعثر استراتيجية حزب (راداب) سياسيا

لا شك أن تثخين الموت في قيادات الصف الأول لدى حزب أو تحالف معين يربك الحزب في استراتيجيتها وخطواتها، ومن ثم قد يؤثر ذلك على الأداء السياسي ومن ثم على التأييد والولاء السياسي للحزب، خصوصا حالة كوت ديفوار حيث الديموقراطية في طور البناء وضعف المجتمع المدني

رابعا: سيطرة الوهم والإفك على الأفكار

إن موت القيادات السياسية في حزب (رداب) اتخذته بعض المؤسسات الإعلامية وأفراد آخرين لإثارة عديد من النعرات العرقية، وتنشيط الانقسامات السياسية ومن ثم تأكيد مظلومية لأطراف سياسية وأمنية عسكرية أخر،  وهي أوهام وإفك تكاد تسيطر على الأفكار وتتفاعل معها السلوكيات، وتكمن خطورته أنه قد يمثل خللا في تماسك التحالف الحاكم، أو مزيدا من تعميق الانقسام بين الحكومة و المعارضة ، ومعلوم أن الحكومة والمعارضة قد قطعتا شوطا مقدرا في الحوار  السياسي، أفضت إلى مشاركة المعارضة في الإنتخابات التشريعية في ٦ مارس ٢٠٢١ ، وهي الأولى من نوعها في التاريخ السياسي الإيفواري المعاصر، وأيما الحالتين كان، فإنه لا يجب التعاطي مع أفكار تعمق روح الانقسام و الانتقام والتشظي في بلد الأفيال بلد السلام والأخوة.

خامسا: إعادة انتشار أفكار سلبية

إذا ثبت أن الدخول في معترك العمل السياسي أو تولي منصب من المناصب السيادية يحيطه قدر من الحذر قد يسوق ذلك الشباب إلى الإيمان بممارسة أعمال سلبية(السحر، الشعوذة ) حصنا لأنفسهم  ومعلوم أنها أعمال تضعف المجتمع وثم تفسده أخلاقيا.

الخاتمة

العمل السياسي عمل شريف، وحق لكل مواطن خوض غماره إذا توفرت فيه شروط الشرعية المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الإيفوارية، وبالتالي لا يجب أن يمثل هذه الوفيات ولا غيرها مدخلا لإحجام الأفراد وخاصة الشباب الذين يحملون هم المجتمع،  وإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي أن ينافشوا فيه منافسة محمودة ملتزمين بالقانون، ثم إن هذه الوفيات لم تعد حالة ولا ظاهرة، بل أصبحت أزمة حمل ظهور ها مشكلات  أخرى قد تظهر إن عاجلا أو آجلا.

 يرحم الله تعالى القيادات ويغفر لهم ويدخلهم الجنة مع الأبرار. 

اللهم احفظ كوت ديفوار وشعبها ومن عليها بالأمن والاستقرار

د. حسان سيسي. جامعة الفرقان الإسلامية أبيدجان

لا يوجد تعليقات

اترك تعليق

0%
Drag View Close play
Style Color
Style Layout