قالت لي مندوبة الإتحاد الإفريقي للشؤون الثقافية السيدة إنجليين مارتينز ذات مرة أن عرب الخليج العربي زياراتهم لنا نادرة ودائماً ما ينظرون لنا بنظرة مختلفة عكس ما كنا نظن وأقل مما نتوقع فما السبب؟ فقلت لها سيدتي الكريمة توجد صورة سلبية لإفريقيا عموماً في الذهن الخليجي وأنا معكِ اليوم لتغيير ذلك ولكني إنصدمت بمدى الحنق في نفوس بعض أبناءكم تجاه كل ما هو خليجي وهذا ما ألمني.
تدرك شعوب القارة الإفريقية مجتمعة أن إرتباط دول الشمال الإفريقي بإفريقيا جنوب الصحراء هو إرتباط إسمي فقط وليس فعلي، إرتباط محدد بحدود المصالح التي يراها الطرفان وليس إرتباط قائم على مبدأ وجداني حقيقي كالذي يربط دول إفريقيا جنوب الصحراء ببعضها البعض، فلا يمكن مثلاً مقارنة علاقة الشعبين العاجي والمالي بعلاقة شعوب شمال إفريقيا مع ذات الشعبين فالفرق كبير وقس على ذلك، فدول الشمال الإفريقي عندما تتعارض مصالحها مع أي جهة خارجية فهي تلجأ لدول إفريقيا جنوب الصحراء لكسب موقفها إما من خلال عضويتها في الإتحاد الإفريقي أو من خلال تصويتها في مجلس الأمن وهذا ما يدركة أبناء إفريقيا جنوب الصحراء من إريتريا إلى السنغال وهذا أيضاً ما يُفسر الوقفة الشعبية الأفريقية قبل السياسية تضامناً مع ملف سد النهضة الأثيوبي مؤخراً بل وذهبت بعض النخب الأفريقية اليوم إلى ما هو أبعد من ذلك وباتت تعتبر أن دعم موقف أثيوبيا وملفها التنموي (سد النهضة) هو دعم للقومية الأفريقية.
منذ أن خرج وزير الخارجية الأثيوبي غيدو اندراغيشوا في المؤتمر الصحفي الأخير معلناً البدء بتاريخ التعبئة الأولية لخزان سد النهضة حتى تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر إجتماع رئاسي مع قادة القوات المسلحة المصرية مما فسره البعض بطرح الخيار العسكري، ولكن أرى أن الخلاف المصري الأثيوبي لن يصل لحرب عسكرية وتلك الإجتماعات مع قادة الجيش تدخل في إطار الحرب النفسية يمارسها الطرفان ضد بعضهما البعض، فلن تسمح القوى الدولية بتطور الأزمة بين مصر واثيوبيا لصدام مسلح لأن مثل هكذا صدام سيعيق ما بدأت تجنية تلك القوى وفقاً لرؤيتها حول القرن الأفريقي الجديد الذي عبرت عن قرب ولادته منذ عام 1991، ومن المرجح أن تصل القوى الدولية بملف سد النهضة إلى النقطة التي تناسبها، ومن المؤكد أن أديس أبابا والقاهرة يزخران بالعقلاء الذين سيجدون حلاً توافقياً سيحفظ الحقوق ويجنبها الأذى.
ولكن ماذا لو وقفت دول الخليج على الحياد من ملف سد النهضة؟
السيناريو الأول: تصالح مع بعض القيادات التابعة لتنظيم الاخوان المسلمين، تدرك القاهرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكثر ما يقلق القيادات السياسية الخليجية وبها سيكون الرد فإما أن تطلق القاهرة سراح بعض الكوادر من فصيل الإخوان المسلمين والذين ما زالت تحتفظ ببعضهم في السجون وإعطاءهم مساحة من الحرية كالعودة بهم إلى ما كان عليه التنظيم في عهد مبارك، وإما أن يقتصر الأمر على إحياء بعض خلايا الجماعات الإسلامية النائمة في الخليج العربي والتي سيتم إيقاظها بالتدريج.
السيناريو الثاني: التقارب مع ايران، قد تقف القاهرة على الحياد من قرار دولي يدين الميلشيات الداعمة لإيران مثل حزب الله وجماعة الحوثي أو قد تبدي القاهرة تحفظاً على قرار قد يكون في صالح التحالف العربي في اليمن.
السيناريو الثالث: إتفاقية سلام برعاية أمريكية، قد تدفع واشنطن دول الخليج على العمل على إقناع الثلاثي ( الإثيوبي -المصري – السوداني) “ماليا وإستثمارياً” لتوقيع إتفاقية سلام رسمت ووضعت بنودها في واشنطن وتم إعلانها في إحدى العواصم الخليجية تماماً كالمصالحة الإثيوبية الأرتيرية الأخيرة التي قال عنها أحد الدبلوماسيين الأمريكيون نحن من يقرر كيف ومتى وأين ستحدث تلك المصالحة.
التوصيات
- على دول الخليج العمل قدر ما تستطيع وفي حدود ما تسمح به قدراتها الحالية على تقريب وجهات النظر بين إثيوبيا ومصر فيما يتعلق بملف سد النهضة حفاظاً على المصالح الخليجية المتنامية في أديس أبابا والقاهرة.
- العمل على التعرف على ماهية القومية الأفريقية في إفريقيا جنوب الصحراء التي يتطلع لها جيل الشباب في إفريقيا والذي بات اليوم يشكل رقماً لا يستهان به في تشكيل الرأي العام الأفريقي والعمل على رسم إستراتيجية تقارب مع تلك القومية بما يتناسب مع المصالح الخليجية دون المساس أو الإخلال بتلك القومية.
- العمل على حل الأزمة الخليجية فوراً فالواقع السياسي في إفريقيا عامة يؤكد أن وجود المصالح الخليجية في تكتل جماعي سيعززها بشكل يفوق وجودها منفردة ناهيك عن تعزيز الخبرة السياسية الخليجية لحقيقة الميدان الأفريقي وكيفية إدارتة والتي ما زال يفتقر اليها الذهن السياسي الخليجي حتى الأن.
- العمل على توقيع إتفاقية سلام ثلاثية بين إثيوبيا والسودان ومصر تضمن حق إثيوبيا في التنمية التي تتطلع لها من مشروع سد النهضة دون المساس بحق مصر المائي وضمان الحقوق السودانية.
تدرك دول الخليج أن موقفها الأخير في مجلس الجامعة العربية إزاء ملف سد النهضة الأثيوبي والذي جاء داعماً لموقف القاهرة لن يقدم ولن يؤخر فهي أخبر من غيرها بأن هذا المجلس لا يسمن ولا يغني من جوع وأياً كان موقفها سواء مُتحفظاً أو داعماً أو مُتضاداً فهو بكل تأكيد لن يتجاوز كرسي المندوب الدائم لها تماماً كإدراكها بأن القوى الدولية هي من سيقرر ما سيؤول إليه هذا الملف.
ويبقى السؤال هنا هل ستضمن واشنطن للقيادات السياسية الخليجية في حال وقوفها على الحياد من ملف سد النهضة إنعدام الأذي الذي قد ينال من شرعيتها السياسية؟ وهل سيسبق ذلك الضمان شروط لتحقيقة كمضاعفة إبرام الصفقات العسكرية مثلاً مما سيؤكد أن ذلك الضمان سيكون مؤقت ومرتبط إن صح التعبير بما ستقدمة دول الخليج من أموال.
المقال منشور في مركز مقديشو للبحوث والدراسات الإستراتيجية على الرابط التالي :
المقال منشور في موقع القرن الأفريقي بوست على الرابط التالي :
https://hafpost.net/articles-and-analyzes/18919
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro
لا يوجد تعليقات