هذه الرسالة ليست رسالة لمُعالجة مكامن الإشكالية في الصحافة والإعلام السوداني فلستُ أهلاً للحديث عن تلك الإشكالية ولا يحتاج الشارع السوداني لمن يتحدث بالنيابة عنه فالخرطوم تزخر بعقول إعلامية قادرة على نقل السودان وصورته وقضاياه وثقافته في سماء الإعلام الإفريقي والعربي والعالمي، ولكنها رسالة من مواطنة خليجية ساءها أن تظل السودان بعيدة عن مكانها الحقيقي “
في جلسه ثقافية مُصغره دعيتُ إليها مع مجموعة من الباحثين الخليجيين المبتدئين أمثالي، وكان محور الحديث عن توقيع إتفاقية السلام الأخيرة في جوبا (جنوب السودان) لإتفاجىء بعد بدء جلسة النقاش بقليل أن المشاركين جميعهم وبدون إستثناء متبنين وجهة نظر واحده مفادها ( أن السودان لن يستقر إلا بحكم عسكري، وأن إتفاقية السلام التي وقعت في جوبا سيتم نقضها في حال تسلم المدنيين السلطة !)، كل ذلك تم تبنيه بدون دراية مُسبقة عن الأحداث التي سبقت توقيع تلك الإتفاقية ولا حتى معرفة بأهم المنعطفات السياسية التي مرت بها السودان قبل إنقلاب عام 1989 وما بعده، بل إن أحدهم لم يكن يعلم الفرق بين جوزيف لاقو الذي وضع كلمة “جنوب” في إسم حركته وبين جون قرنق الذي إنتزعها، حينها قلت لنفسي هل إخفاق الصحافة والإعلام السوداني في تسويق نفسه وتعريف القارىء الخليجي بقضاياه منذ الإستقلال حتى الأن هو الذي أثر سلباً على وصول صوت السودان للشارع الخليجي مما أثر على تذبذب المواقف الخليجية تجاه السودان في العديد من الملفات؟ وما بين ذلك التساؤل الذي كتمته في نفسي وما بين إستماعي لضيوف النقاش حضرت في ذهني صورة الراحل الدكتور جعفر محمد بخيت الأمين العام للإتحاد الإشتراكي السوداني الذي عندما تم سؤاله عن رأيه في الصحافة السودانية في عام 1972 قال بالحرف ” أن المجال الصحفي في السودان يتميز عموماً بعدم الكفاءة فمعظم الصحفيين دون مستوى الفهم المطلوب لمهمات المرحلة وقضاياها وإهتماماتها الإقتصادية والفكرية والسياسية والإجتماعية ، وإعداد الصحفيين ضعيف وتم ضمن ظروف سابقه، وبعضهم لا يمكن تطويره بل ووصل إلى مرحلة التحجر، المثقف السوداني لم يحتل موقعه بعد وبشكل كامل في عالم الصحافة وتوجيه الرأي، ومزاجية المثقف السوداني كمزاجية الفنانيين وبعضهم يستغل ثقافته حيث يكون العائد أفضل وأكثر جدوى” إنتهي /
ويبقى السؤال هنا هل ما زالت رؤية الراحل جعفر محمد بخيت سائدة في الصحافة السودانية بعد قرابة خمسون عاماً من قولها ؟
ظل الإعلام السوداني غائباً عن الشاشة الخليجية ولم يحاول حتى مجرد محاولة فرض نفسه على المشاهد الخليجي الذي يتوق لمعرفة الثقافة السودانية التي بحكم التاريخ والجغرافيا هي ثقافة متنوعة تجمع جزء من القبائل العربية وجل القبائل الأفريقية بثقافتها ولغاتها وتراثها في كيان سياسي واحد أسمه السودان، تلك القبائل التي تأثر بعضها بالثقافة العربية وبعضها ظل محافظاً على تراثه الأفريقي العريق، وطيلة إقامتي المُمتده في الخرطوم لم أجد ما يعلل سبب إبتعاد السياسة والدراما والفلكلور والفن السوداني عن الشاشة الخليجية رغم أن الفن الخليجي يُعرض في الشاشات السودانية وإن كان بشكل متواضع، وأتذكر أنني حينها أقنعت نفسي أن خصوصية المجتمع السوداني قد تكون لعبت دوراً في ذلك الإنكفاء الإعلامي الذي أظهر الإعلام السوداني في عين المواطن الخليجي وكأنه يتوارى عن الإنظار إما لقلة ثقته بنفسه وبما سيقدمه ولا يريد بالتالي إحراجاً يطالبه بتفسير أو يتوارى جهلاً بذاته وعدم إدراكه للقيمة التاريخية التي تتميز بها أرض المقرن على محيطها، وما بين ذلك الإعتقاد الذي كنتُ أظنه وما بين إقترابي من النخب السودانية وجدت أمامي واقعاً لم أكن أدركه واقعاً بات لي مرجعاً أعود إليه قبل الكتابة في الشأن السوداني، فالنخب السودانية ترى و بإقتناع أن هناك خذلان خليجي عربي تم ممارسته بحقها منذ عقود وإمتد ذلك الخذلان إلى تغييب أدواراً لشخصيات سودانية بارزة ساهمت في نهضة دول الخليج وتطورها، أضف إلى ذلك قلة الإهتمام الخليجي بالشأن السوداني وعدم بذل الجهد للتعرف على الواقع السوداني من الداخل إلا من خلال شخصيات ومراجع وأبحاث يقلقها أي تقارب خليجي سوداني، إما بقصد إبعاد السودان بأكمله عن محيطه العربي والأفريقي، وإما بقصد تغييب الصورة الحقيقية للسودان في الذهن الخليجي وجعله مُعقداً مجهولاً مُبهماً إلى أبعد مدى، وإما بالإثنان معاً، وما بين الحالتين تولد في الشارع السوداني غبنٌ إستشعرته وحنقٌ أدركته وأقتنعت بأسبابه وأعمل شخصياً على تفسيره ونقله للإعلام الخليجي لعله يُدرك ما أدركته ويراجع نفسه ويرى السودان بعين مختلفة، ففي ظل ضعف الإعلام السوداني وعدم مقدرته على تسويق نفسه تم إستغلال قضايا السودان للأسف ضد المصلحة الوطنية السودانية، فهناك فجوه عميقة بين الإعلام السوداني والإعلام الخليجي لابد من معالجتها، ولابد من سماع قضايا السودان من السودانيين أنفسهم عبر إعلامهم ومن نخبهم الفكرية فقط ، ولابد من إعتماد لغة سودانية إعلامية جديدة للتعاطي مع الإعلام الخليجي والعربي والأفريقي ولا ينقص الخرطوم الخبرة ولا الموارد للبدء في ذلك بما يتوافق مع تحديات المرحلة ومعبراً عن تطلعات الثوره السودانية التي لابد أن تجني ثمارها ولو بعد حين ،،،،
( أما أن الأوان للإعلام السوداني أن يُعرفنا بنفسه؟ )
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro
لا يوجد تعليقات