“حتى أكون محترماً أمام نفسي فأنا إنشققت عن الرينامو ولكني لم أضع يدي مع الفريليمو التي إن فعلت ستقربني منها وستغدق علي بالمال وأشياء أخرى وستقضي على ما تبقى لي من كرامة إن وجدت بعد كل ذلك”
هذا ما أعلنه دافيز سيمانغو رئيس الحركة الديمقراطية الموزمبيقية وعمدة مدينة بيرا وأحد أبرز الأعضاء القدامى في المقاومة الوطنية الموزمبيقية “الرينامو” التي إنشق عنها عام 1997 عندما سأله أحد مواطنيه كيف تجاوزت كل ذلك أهو تقديراً لذاتك فقط؟
لا يمكن الحديث عن مستقبل موزمبيق دون الحديث عن من يحدد ذاك المستقبل الذي بات محط أنظار العالم بأسره بعد أن خلعت مابوتو ثوب الإشتراكيه وإن كان رغماً عنها
اللاعبين في الساحة السياسية الموزمبيقية هم “الرينامو” الذي بدأ كحركة سياسيه مسلحه في موزمبيق ومعاديه للإشتراكية،وجبهة تحريرموزمبيق “حزب الفريليمو” الذي يحكم البلاد منذ الإستقلال حتى يومنا هذا، فهو حزب سياسي تأسس في تنزانيا 1962 على يد إداورد موندلان وبدأ كحركة قومية لتحرير موزمبيق، وحصل على دعم الرئيس التنزاني في ذلك الوقت جوليوس نيريري، ونجح الفريليمو في تحرير المناطق الشمالية من البلاد وإدارتها وأسس أشكالا تعاونية للزراعة وتحسين أوضاع الفلاحين ووفر لهم التعليم والرعاية الصحية،وحتى يحافظ الفريليموعلى ما حققه في تلك المناطق قام بتعيين جنود تابعين له لحماية إنجازاته وبدا أن الفريليمو كان يعمل ليس فقط من أجل الإستقلال ولكن من أجل تأسيس مجتمع إشتراكي حقيقي وهنا تدخل الإتحاد السوفيتي والصين وبعض الدول العربية في دعمه، وحينها كان الجوار الإقليمي لموزمبيق يشهد تنامي الحركات القومية الرافضه للإستعمار، فخوفاً من إنتقال عدوى المقاومه ولإفشال مشروع الفريليمو تعاونت حكومات الأقلية البيضاء في روديسيا مع حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وبدء إيان سميث ومن خلال مؤسسة سميث للمخابرات بتشكيل مجموعة أمنيه من عناصر موزمبيقية معارضه ومستوطنين سابقين أطلق عليهم “الرينامو”، ومع تصاعد المواجهات تم القضاء على جميع المكاسب التي حققها الفريليمو طوال سنوات نضاله الممتده وتحول من التركيزعلى البناء الإشتراكي للدولة إلى التركيز على حماية الإنجازات إلا أن الرئيس الموزمبيقي حينها سامورا ماشيل أصرعلى الحفاظ على الصوره الإشتراكية ولكن ساءت الأمور في موزمبيق مما دفع الرئيس سامورا إلى القبول بإتفاقيه نكوماتي التي وقعها مع جنوب إفريقيا، ومن المفارقات التي أقتعت الشارع الموزمبيقي بحجم ما يحاك له أن تلك الإتفاقية كانت تنص على أن تتخلى مابوتو عن دعمها لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في مقابل تخلي جنوب أفريقيا عن دعمها لرينامو ولكن وقبل توقيع تلك الإتفاقيه بساعات معدوده قامت جنوب أفريقيا بإرسال شحنة أسلحه ضخمه تم نقلها جواً إلى رينامو مما ضاعف من قوتها وخلق لها دوراً فاعلاً في السياسه الموزمبيقيه
أرى أن المعادلة في موزمبيق قد تتغير على المدى المتوسط خاصة أن هناك تصريحات باتت تلامس أذان الساسه وتزعجهم وتنادي بضرورة إنهاء مبدأ أن الحزب الحاكم “الفريليمو” هو الدولة وعليه لابد من مراجعة الدستور والبدء بتأسيس محكمة محاسبة ومراقبة خطة الرئيس وضمان إنتخاب مباشر لرؤوساء البلديات وتشكيل لجنة مراقبة حقيقية للإنتخابات وما دعم تلك المطالب التصريحات الأمريكية التي شككت في نتائج الإنتخابات الأخيره وإتهمت الفريليمو بأنه غيرموضوعي في نقده للرينامو والغريب أن تلك التصريحات جاءت متزامنه مع إعلان واشنطن إستثمار بقيمة 25 مليار دولارفي موزمبيق، أما الرينامو فبالرغم من حالة التماسك التي يظهرها إلا أنه يعاني في حقيقة الأمر ويخشى من إنشقاق أعضائه الذين قد يتم مساومتهم ولا يريد أن يعيش حالة الإرباك التي عاشها بعد إنشقاق دافيزسونغو ولذلك تجده دائماً ما يعزز الروح المعنويه لأفراده فعندما توفي فرانسو دلاكاما راهن الجميع على أن الرينامو لن يصمد ولكنه تجاوز ذلك وقام بتعزيز جناحه العسكري بالرغم من معاهدة السلام الموقعه مع الحكومة والتي نصت على تسليم أعضاء الرينامو لكافة أسلحتهم في مقابل إدماجهم في الجيش الوطني ولكن يبدو أن الرينامو لا تأمن كل ذلك والطريق الوحيد لإثبات حسن النوايا هو وصول أحد أعضائها للسلطة
تدرك مابوتو أن القوى الدولية لا تراهن على الأنظمة الحاكمة في إفريقيا بمقدار ما تراهن على مقدرتها في توجيه تلك الأنظمه وبالتالي لا يمكن إستبعاد معادلة التغيير وكبح جماح رياح تلك القوى إن عصفت ذات يوم وأرادت أن تكون.
لكن ما تأثير كل ذلك على المصالح الإماراتية في موزمبيق ؟ وهل تتعارض تلك المصالح مع المصالح الخليجية الأخرى وما هو السبيل للوفاق حتى يستفيد الجميع؟ هذا ما سنجيب عنه في مقال قادم
مركز العلاقات الخليجية الأفريقية
ورقة منشورة في الصحافة الإماراتية والأفريقية في ديسمبر 2019
https://www.albayan.ae/opinions/articles/2019-12-05-1.3718246
لا يوجد تعليقات