العلاقات الخليجية الإفريقية “وفقاً لوجهة نظر إفريقية

Scroll Down — Scroll Created with Sketch.

يرجع تاريخ العلاقات الخليجية الإفريقية إلى ما قبل الإسلام، حيث إرتبطت الجزيرة العربية بالممالك الأفريقية القديمة مثل الحبشة أو مملكة أكسوم وبعد انتشار الإسلام بدأت العلاقات بين الطرفين تأخذ منحى اكثر عمقاً وماثلة في أعين التاريخ بدءاً بهجرة صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى الحبشة مروراً بقيام السلطنات الإفريقية في الشرق الأفريقي والمرتبطة بالجزيرة العربية دينياً وسياسياً كدولة الدراويش في الصومال، وسلطنة أجوران، وسلطنة آفات التي نشأت بالهجرة إليها من الجزيرة العربية، وإمتدت العلاقات الخليجية الأفريقية لاقصى الغرب الإفريقي وخاصة مع إمبراطورية مالي وأهم مدنها تمبكتو التي كان يطلق عليها “مكة الأخرى” لانها كانت ممراً ونقطة إنطلاق القوافل الراحلة للحج والعمرة كما كانت حاضنة للدارسين العرب والأفارقة الذين كانوا يقصدون جامعة سانكوري مركز العلم في أفريقيا في ذاك الزمان وضاعف من مكانتها بإنها كانت  حاضنة للعلم والعلماء، بدأت العلاقات بين إمبراطورية مالي وشبة الجزيرة العربية تأخذ منحى أكثر عمقاً وحملت تلك المرحلة من العلاقات دلالات أصبحت ماثلة وخالدة في عين التاريخ بدءاً بزيارة ملك إمبراطورية مالي الأشهر كانجا مانسا موسى لشبه الجزيرة العربية عام 1324م مروراً بتدفق العلماء الأفارقة وإقامتهم في الجزيرة العربية لعشرون عاماً أمثال الشيخ عمر الفوتي، وإنتهاءاً بالهجرات البشرية من أقصى الغرب الإفريقي إلى الجزيرة العربية هرباً من بطش الإستعمار الإوروبي الذي جاء بعد مؤتمر برلين أو ما يسمى بمؤتمر الكونغو 1884-1885م، ويجب هنا التفريق بين مؤتمر برلين الذي نظم الإستعمار في إفريقيا وبين مؤتمر برلين 1878م الذي أعاد صياغة معاهدة سان ستيفانو الشهيرة.

أما اليوم فيرى المكون الشعبي الإفريقي بأن المكون الشعبي الخليجي لم يلتفت بل لم يحاول إكتشاف إفريقيا الحديثة رغم العلاقات المُتجذرة بين الطرفين إلا بعد عام ٢٠١٥ بسبب بروز بعض القضايا الأمنية التي باتت تؤثر سلباً على الآمن القومي الخليجي، فرغم قدم العلاقات الخليجية الأفريقية وإدراك الذهن الأفريقي لتاريخها الممتد إلا أن هناك عوائق تقف حجر عثرة أمام تطور العلاقات الخليجية الأفريقية، فوفقاً لوجهة نظر إفريقية أن العلاقات الخليجية الأفريقية في العهد الحديث لن تخرج عن القالب الإستثماري والتبادل التجاري، وإن كانت تلك العلاقات تتطور “سياسياً” إلا إن الذهن الخليجي ما زال يفتقر لمعرفة العديد من الحقائق الفاصلة في المجتمعات الأفريقية وهذا ما يضعف الرؤية الاستراتيجية الخليجية للقارة الأفريقية.

هناك ثلاثة حقائق تبذل معظم النخب الأفريقية قصارى جهدها لتأكيدها إلى العالم:

الأولى:  أن نسبة المسلمين في أفريقيا غالباً ما يتم التلاعب بها، والإرهاب سلوك دخيل على المجتمع الأفريقي المُسالم بطبعه، فالإرهاب شق طريقه إلى إفريقيا منذ أن وصل من يقرر خط سير السلطة والحُكم في أفريقيا، ويكفي أن يتصفح القارىء قصائد الشاعر الكاريبي بريمان ليتعرف كيف إنتقلت الحداثة والثقافة من أفريقيا إلى أوروبا وليس العكس،

الثانية: الإسلام هو العقبة الوحيدة التي واجهها المُستعمر الأوروبي حينما أراد سلخ المواطن الإفريقي من قيمه ومبادئه القويمه والمُثير للإعجاب أنه ما زال يواجهها حتى يومنا هذا والأجمل أنه لم ينجح.

الثالثة: النخب الخليجية لا تدرك أن واقع النخب الإفريقية تغير منذ عام ٢٠٢٠ ، فواقع هذه النخب خاصة تلك التي لم تتلوث بالمال السياسي يختلف تماماً عما يتم تداوله في الصحف الأوروبية، فهذه النخب تواجه وبشراسه سياسة شراء الذمم وإغراء المناصب التي تمارسها السلطات عليهم، وإبعادهم قسراً عن مراكز اتخاذ القرار لا تراه تلك النخب بكثير من الأهمية، لأنهم يدركون أن جزء من السياسات في بلدانهم  ما زالت تأتي في قوالب معلبة من الخارج ولا مجال فيها للنظر، وبالتالي ما الذي سيجنونه من إقترابهم من السلطة التي غالباً ما تتخلص من معارضيها السابقين الذين تحولوا إلى مؤيديها الحاليين بعد إستخدامهم وكشفهم أمام الملأ، لذلك ترى تلك النخب أن العمل في المنظمات والمؤسسات الدولية هو الحل الأفضل لإصلاح الوطن من الداخل وجائزة الحكم الرشيد للزعامة الأفريقية خير دليل على ذلك.

ومن واقع تجربتي الميدانية في المجتمع الإفريقي وعلى اختلاف ثقافاته وخلفياته الدينية وإثنياته المتعددة، ترى النخب الإفريقية القريبة من دوائر صنع القرار السياسي بأن المصالح الخليجية في إفريقيا “مؤقته” ولم تولد وفق أسس ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى، والسبب في ذلك إختلاف الرؤى السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا الإختلاف ليس فقط في الحراك الخليجي في القارة الإفريقية، بل إمتد لخلافات داخلية في المنظومة الخليجية ذاتها وهذا انعكس إلى عدم قناعة النخب الأفريقية بمصطلح “وحدة المصالح الخليجية”، وهذا برأيي ما أفقد أفريقيا الثقة المطلقة في خط سير الأطراف الخليجية، وهذا ما سيدفع الدول الأفريقية صاحبة التصويت المؤثر في المؤسسات الدولية إلى التردد في دعم دول الخليج العربي في حالة ترشح الأخيرة لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن مثلاً، وبالتالي ليس أمام الطرف الأفريقي مستقبلاً إلا إستغلال كافة الفرص الخليجية المتضاربة التي وجدت في أفريقيا ساحة للمبارزة دون أن يستطيع هذا الطرف الخليجي أو ذاك إملاء شروط كان يراها الطرف الأفريقي حتى عهد قريب مُخلة بحقوقه.

 

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

0%
Drag View Close play
Style Color
Style Layout