مفاوضات الجيش السوداني مع مليشيا الدعم السريع برعاية وإشراف أمريكي ليست بعيدة عن عملية إستهداف مطار الخرطوم وبعض المدن السودانية بالمسيرات مؤخراً، وبالتالي هي أيضاً ليست بعيدة عن التهديد المتلفز الأخير لقائد مليشيا الدعم السريع “حميدتي” بإستهداف المطارات في الداخل والخارج السوداني، وكأن هذه المفاوضات تسعى إلى وضع الوفد السوداني المفاوض “الممثل لقيادة الدولة السودانية الوطنية” في قالب من عدم الثبات المشبع بالإقناع مفاده بأن حرب المسيرات لم تبدء بعد مع إستمرار تسليح مليشيا الدعم السريع، وهذا النوع من القوالب والذي تطلق عليه الإستخبارات الدولية “La persuasion des passants” ويعني باللغة العربية “إقناع العابرين” بات سمة بارزة حتى على مستوى النقاشات البحثية المتعلقة بعلم الأمن السياسي، ويستخدم لوصف المسؤولين الذين يغيّرون مواقفهم لكن أسلوبهم المقنع يجعل الناس يصدقونهم رغم التقلّب، ( وهذا سلوك متعمد تلجأ إليه الأجهزة الأمنية المعادية لضرب ثقة المواطن في قيادة الدولة)، ومن ناحية أخرى إختيار الإدارة الأمريكية العاصمة “واشنطن” لتكون مكاناً للتفاوض فهذا لوحده يحمل دلالة سعت الإدارة الأمريكية لها لإضفاء نوعاً من البعد الإستراتبجي والإستخباراتي باتت تراه واشنطن واقعاً ماثلاً أمامها يلاءم حتى الأن رؤيتها الإستراتيجية لمستقبل منطقة الشرق الإفريقي، خاصة مع إرسال واشنطن عناصرها الإستخباراتية موخراً لبورتسودان، ناهيك عن البعد النفسي والتأثير على المزاج العام للمفاوضين الرئيسين “وفد الدولة السودانية، ووفد مليشيا الدعم السريع” والذين ما كانوا ليشعروا بوقع وواقعية تلك الأبعاد المركبة وعمقها لو عُقّدت ذات المفاوضات في كافة عواصم دول الرباعية المشاركة في تلك المفاوضات.
تحاول هذه المفاوضات إرسال رسالة موجهة وبشكل مباشر لقيادة لدولة السودانية بأن لا سبيل لوقف تقدم المكاسب السياسية والعسكرية التي حققتها المؤسسة العسكرية السودانية بعد تحرير مدينة بارا إلا بإرغامها على التفاوض، وهذا يعني إجهاض كافة محاولات إقصاء مليشيا الدعم السريع من المشهد السياسي السوداني حتى وإن جاء ذلك تحدياً مضاداً للإرادة السودانية الشعبية، وبالتالي على الدولة السودانية وبالتزامن مع الحراك الدولي الموجه لها العمل على التالي:
🔆 مواصلة عمليات التعبئة الوطنية العامة التي بدأت بها، والتي نجحت في إسترداد الدولة ومرافقها الحيوية، وساهمت في ذات الوقت في دحر مليشيا الدعم السريع المتعددة الجنسيات وضربها في مقتل.
🔆 العمل على تطوير برامج إدارات ومديريات التوجيه المعنوي في كافة المؤسسات العسكرية والأمنية وطرح برامج “خاصة” للتوجيه المعنوي تتناسب مع المكون المدني ويمكن تطبيقها في المدارس والجامعات حفاظاً وتعزبزاً للجبهة الوطنية الداخلية.
🔆توسيع عمليات كاسحات الألغام ونشرها في كافة المدن والولايات السودانية للقضاء على كافة الأسباب المهددة لحياة المواطنين. (إبرام تعاون مع أنقرة حول ذلك).
🔆 تكثيف العمليات العسكرية وتوسيع رقعة المناطق المحررة خاصة مع عودة النازحين إلى ولاياتهم.
أقولها بكل وضوح المفاوضات التي تقودها “واشنطن” بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع لن تحقق الكثير مما يأمله الشارع السوداني، وسقتصر “إن نجحت” على فتح طرق أمنه لإيصال مساعدات إنسانية إلى إقليم الفاشر ولن يتجاوز أكثر من ذلك، فمخطط التقسيم الذي ما زال يراود المخيلة الغربية منذ عام 1922 والذي بدء بسياسة المناطق المقفولة، ومن ثم تحول لمشروع إستراتيجي شامل بعد 1983 مع الحرب الثانية، وأتيحت له الفرصة العملية عام 2011 بإنفصال الجنوب، جاء ليستكمل اليوم محاولات تفكيك ما تبقى من الدولة السودانية عبر الحرب الأهلية والصراع العسكري والسياسي، أما الحديث عن عودة إحياء “منبر جدة” فتدرك الرياض بأن “منبر جدة” الذي ترعاه الولايات المتحدة لم يؤسس لحل الأزمة السودانية بل جاء لإطالتها، وإبقاء الصراع بين “الجيش السوداني الوطني” ، و “مليشيا الدعم السريع” في مربع اللاعودة تمهيداً لولادة ما تطلق عليه بعض النخب الإفريقية “Le Soudan n’est pas comme son people” وتعني باللغة العربية “سوداناً لا يشبه أهله”.
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

