إن الحركة والدعوة الإسلاميتين في تاريخهما المعاصر في كوت ديفوار، تميّزتا بظهور قامات قيادية وعلمية، يحملون هَمَّ المجتمع، ويعملون على إصلاحه، ولهم رؤى وبصيرة استشرافية جعلهم عَلَمًا للإصلاح، ومحلًا للاحترام والتقدير المجتمعي.
فدكتور آدم فوفانا واحد من أولئك الموهوبين المصلحين، ولقد وافته المنية يوم الخميس 12 ذي الحجة 1442هــ الموافق 22 يوليو 2021م، تاركًا وراءه مجموعة من المشروعات الإصلاحية، التعليمية منها و الدعوية… فاستكمال تلكم المشروعات تشكل تحديًّا لورثته وأولياءه، وهنا يأتي السؤال ما هي تلك المشروعات وكيف يتم استكمالها؟ في هذه المقالة نحاول تناول هذه النقاط بقدر من الاختصار.
أولا: مشروع بناء الأسرة المسلمة:
تشير عدد من التجارب أن العلماء والدعاة والمصلحين إذا إصابتهم مصيبة الموت فإن أسرهم (زوجاتهم وأولادهم) يمسون ضحايا اختلافات أسرية عميقة وقديمة لم يكن لهم فيها خيارات وأحيانا لم يشاركوا فيها، أو يعانون من الإهمال وأكل أموالهم ظلمًا، أو صرفهم عن وجهة ورغبة أبيهم في التربية والتعليم، وكل واحد من هذه الأمور عامل من عوامل ضياع الأسرة ووأد مشروع بناء الأسرة المسلمة، وتحدي من التحديات التي تنتظر آل فوفانا، فعلى علم بأن آل فوفانا أهل فقه ودين، و مروءة وشهامة، غير أن ذلك لا يجرمنّ المقال إلى عدم الالتفات إلى هذا الجانب، والاستيصاء خيرًا بأسرة الفقيد، فأغلب الظن أن دكتور آدم كان له رؤية ووجهة في تربية أولاده وزوجاته، فعلى أولياءه الحفاظ على آثاره في تربية أسرته.
ثانيا: مشروع جامعة البر الإسلامية:
دكتور آدم كان يحمل هم المجتمع ويتفاعل مع آلام مجتمع المسلم، فغياب جامعة إسلامية يتحصّل فيها أبناء المسلمين التعليم الشرعي، وتؤهّلهم أكاديميًّا ودعويًا كان يمثل مظهرًا من مظاهر ضعف المجتمع المسلم، ونقصًا في مسيرة الصحوة الإسلامية خاصة في مدينة بواكي، المدينة الثانية بعد العاصمة أبيدجان، فبما توفيق من الله تعالى وبمساعدة أصدقاءه من الخارج تمكّن دكتور آدم أن يؤسس في مدينة بواكي جامعة إسلامية تحمل اسم “جامعة البر الإسلامية” منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، فعلى علم أن الجامعة في طور البناء والنشأة إلا أن همة الرجل أبت إلا أن تبدأ فيها الدراسة استجابةً و تفاعلًا مع متطلبات المجتمع التعليمي، فعلى أولياء آدم وأصدقاءه والمنظومة العاملة في الجامعة أن تحرص على استكمال بناء مشروع الجامعة والعمل على تطويرها، وأن تكون الإدارة الجديدة على قدر التحدي من المسؤولية تحقيقًا لأحلام الدكتور آدم، ومساهمة في خدمة التعليم العربي الإسلامي، وفرصة لتوظيف العاملين، ومن رد الجميل والارتباط بالتاريخ أقترح أن يغير اسم الجامعة إلى “جامعة آدم فوفانا الإسلامية”.
ثالثا: مشروع العمل في المؤسسات السلفية:
الجماعة السلفية والتي يعرف اختصارًا بــ”أمسي AMSCI” شهدت نهضة وتطورًا ملحوظًا منذ أكثر من عقد ليس في الحركة والدعوة فحسب، لكن عرفت استقرارًا فكريًّا وضبطًا سلوكيًّا والواقعية في الرؤى والتوجه… ميّزت السلفية الإيفوارية وأصبغ عليها جاذبية خاصة، مكّنتها أن تثبت وجودها على المستوى الوطني والإقليمي، مردّ ذلك هو عودة مجموعة من الخريجين من الجامعات العربية الإسلامية، خاصة السعودية يحملون شهادات أكاديمية عليا وتبوؤهم مناصب مرموقة داخل الكيانات السلفية، وكان دكتور آدم واحدًا من هؤلاء الخريجين، فكان رئيسًا للأكاديمية الوطنية للعلماء ANAO، والذي يمثل أعلى منصب أكاديمي وديني معًا، ليس داخل الكيان السلفي فحسب، بل على المستوى الوطني الإيفواري بأسره، ولا شك أن البحث عن وجود غيره في هذه المرحلة يمثل تحديًّا كبيرًا ليس على الكيان السلفي فحسب، بل على المجتمع المسلم في كوت ديفوار، فعلى الكيانات السلفية وتنظيماتها أن تعيد النظر في مجموعة من الملفات بحثًا عن رجل مناسب في مكان مناسب.
رابعا: مشروع العمل في جامعة الفرقان الإسلامية:
كان دكتور آدم عميدًا لكلية الشريعة في جامعة الفرقان الإسلامية أبيدجان، ولقد قدّم ما في وسعه لتطوير الكلية، فعلى علم بوجود قامات قيادية وعلمية في الكلية، غير وفاته سيحدث ثغرة قيادية وعلمية ليس في كلية الشريعة فحسب، بل في الجامعة بأكملها، لذلك يجب أخذ الأمر مَحمَل جِد، وإعادة النظر في سير العمل في الكلية، حتى تؤدي رسالتها بأكمل وجه، وفي خطوة لتطوير الكلية أقترح أن تطلق على إحدى قاعات الدراسة اسم دكتور آدم فوفانا…
خامسا: مشروع العمل في مسجد مصعب بن عمير:
دكتور آدم قد بنا مسجدًا سماه بــ”مصعب بن عمير” في حي ريفيرا بالميري RIVIERA PALMERAIE وكان هو نفسه الإمام الراتب في المسجد، وكانت له حلقات علمية يحضرها المأمون أسبوعيًّا، فعلى نوابه ولجنة المسجد الحرص على استمرارية الحلقات وإن أدى إلى التعاون مع شخصيات علمية أخرى خارج المسجد.
خاتمة:
المؤسسات العاملة للإسلام في كوت ديفوار على تعدد كياناتها وتنظيماتها بينها قدر من التفاهم والتعاون، وهو ما يميز المسلمين في هذا الوطن، ولقد ظهر ذلك التفاهم والتقارب في جنازة الدكتور آدم فوفانا بشكل خاص، حيث شاركت في الجنازة جميع المؤسسات الإسلامية الوطنية الدعوية منها والإعلامية… – وأثنوا خيرا على الفقيد- على اختلاف انتماءاتها الفكرية والمذهبية، وهو مدخل يجب التشجيع عليه ومباركته، ويشير أن وحدة الصف المسلم وتعزيزه ليس مستحيلًا، وأن على الدعاة والمصلحين أن يكونوا أسوة حسنة للجميع، وأنه يجب توسيع فرص التقارب والتفاهم بين هذه الكيانات وتعزيز تبادل الاحترام وتوحيد الصف حفاظًا على مصالح الإسلام والمسلمين.
يغفر الله لدكتور آدم فوفانا ويرحمه ويدخله الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ويلهم أهله الصبر وحسن المثوبة، إنا لله وإنا إليه راجعون.
د.حسان سيسي- جامعة الفرقان الإسلامية أبيدجان